سورة الأعراف - تفسير التفسير القرآني للقرآن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


{وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (120) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (122)}.
التفسير:
ويبدأ موسى الجولة الثانية، بعد أن يتلقى أمر ربّه بأن يلقى عصاه! ويلقى موسى عصاه {فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ} أي تبتلع كلّ هذا الافتراء، وتبطل كل هذا الباطل، فإذا هو هباء في الهباء.
وينجلى غبار المعركة عن حق وقع، وباطل بطل.
وفي التعبير عن ظهور الحق بأنه وقع، إشارة إلى علوّ متنزّله، وأنه جاء من السماء، فوقع على الأرض، كما يقع ضوء الشمس على معالم الكون الأرضىّ، فيبدّد الظلام، وينسخ معالمه.. أو كما تقع الصواعق بالرجوم، فتهلك القوم الظالمين.
ورأى السّحرة شيئا لم يكن من واردات السّحر الذي معهم، واستيقنوا أن ما مع موسى ليس من السحر في شىء، وأنه ليس في مقدور بشر أن يأتى به.
فهو إذن عمل من أعمال السّماء، وقدر من أقدارها، وضعته إلى يد موسى، ليكون شاهد صدق على أنه رسول من ربّ العالمين.
تلك هى شهادة أهل الخبرة، وأصحاب الكلمة في هذا الأمر.. وليس لأحد قول بعد الذي قالوه.
{فَغُلِبُوا هُنالِكَ} أي في ميدان المعركة، وكان غلبهم تسليما وإذعانا، كما يستسلم الأسير لآسره.
{وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ} أي رجعوا أذلّاء، يواكبهم الخزي والصّغار، وتصحبهم الذلّة والمهانة.
والضمير هنا يعود إلى فرعون والملأ الذين معه، إذ كان الأمر أمرهم، والمعركة معركتهم.
وفى التعجيل بهذا الحكم، تلخيص لما وقع في نفوس الناس ساعتئذ.. لقد خسروا المعركة. ما في ذلك شك.. وإن كان هناك جيوب في المعركة لم يصفّ حسابها بعد، فإنها لا تؤثر أي أثر في الحكم الواقع على المعركة، وهو أن الهزيمة قد حلّت بفرعون وملائه {فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ}.
هذا هو شعار الموكب الذي يسبق القوم إلى المدينة، ليذيع في أهلها هذا النبأ المثير المخيف، وليبعث في النّاس المشاعر التي يستقبلون بها هذا الموكب المهزوم.
وبين يدى موسى يقع السحرة ساجدين. مؤمنين باللّه، معلنين ولاءهم له، بعد أن كان ولاؤهم وسجودهم لفرعون الذي كان يقول لهم: {يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي}.
{وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ}.
وهكذا تنجلى المعركة، وقد وقع الحق وبطل ما كانوا يعملون.. وفى التعبير عن استسلام السحرة بالإلقاء ما يكشف عن القوة القاهرة التي استولت عليهم.
ثم يجىء الحساب الختامى للمعركة، فيمسك فرعون بمخانق السحرة، متهددا متوعدا.. كما سنرى في الآيات التالية.


{قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (125) وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ (126)}.
التفسير:
{قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ}؟
يعجب فرعون أشد العجب، وينكر غاية الإنكار، أن يتصرف أحد من قومه في أي شيء من شئونه، ولو كان فيما يتصل بكيانه الروحىّ، وبعقيدته التي يعتقدها، وبالدّين الذي يرتضيه- إلا أن يكون ذلك ممّا يأذن به فرعون ويرضاه.. وأما وفرعون لم يرض عن الدّين الذي جاء به موسى، ولم يأذن لأحد به، فكيف يجرؤ هؤلاء السحرة على أن يعلنوا إيمانهم بموسى، ومتابعتهم له؟
ذلك عدوان على حق فرعون الذي له في رقاب العباد! وسرعان ما يأخذ فرعون السحرة بتهمة الخيانة له وللوطن: {إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}.
إذن فالسحرة متّهمون بالتواطؤ مع موسى على إخراج الناس من المدينة، ليشهدوا هذا الذي مع موسى من سحر يتحدّي به سحر الساحرين، ويبطل ما معهم من كيد يكيدون له به، وذلك بما وقع بين السحرة وبينه من اتفاق، حتى تكون الفضيحة مدوّية، يشهدها الناس جميعا، ويتحدث بها القوم كلّهم.. هكذا صاغ فرعون التهمة، ورمى بها في وجه السحرة.
تم ها هو ذا يقضى قضاءه فيهم.. إنه يخلق التهمة،، ويحكم بالإدانة فيها، ويقدر العقوبة المناسبة لها.
{لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ}.
إنها قتلة شنعاء، يجد فيها فرعون بعض الشفاء، لما فجعه به هؤلاء السحرة، الذين خذلوه في موقفه من موسى، ثم خانوه في متابعتهم لموسى، واستسلامهم له.
وتقطيع الأيدى والأرجل من خلاف، لا يقضى على الكائن الحىّ فورا، بل تظل الحياة ممسكة به زمنا يعالج فيه آلام الموت وسكراته، فقطع اليد اليمنى، مع الرجل اليمنى، أو العكس، من شأنه أن يقضى على الإنسان في الحال، وليس كذلك إذا قطعت اليد اليمنى مع الرجل اليسرى أو اليد اليسرى مع الرجل اليمنى، فإن الإنسان يظل على الحياة وقتا أطول، حيث يحتفظ الإنسان بنصف نصفه العلوي، ونصف نصفه السفلى المخالف له، وبهذا الخلاف تتم الحركة الدموية، ويظل القلب عاملا بشريان واحد من شريانى الحياة.. ولهذا أتبع فرعون هذه العملية الشنيعة بالصّلب، حتى يظل المصلوب قائما على خشبة الصلب زمنا يعالج فيه آلام الموت وسكراته.
ولا يأخذ هذا الوعيد شيئا من إيمان السحرة، ومن انعقاد قلوبهم على ما انعقدت عليه من تسليم لموسى، وإيمان بالإله الذي يدعو إليه، إذ كان إيمانهم قائما على علم، وبعد بلاء وتمحيص.
{قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ. وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا}.
هذا هو عزاء المؤمنين في ساعة العسرة، وفى مواجهة البلاء وتحدّيه.
إنهم منقلبون إلى اللّه، راجعون إليه، نازلون في ضيافته.. فليس يفزعهم الموت، ولا ترهبهم المثلات التي يأخذهم بها الظالمون.
إن حياتهم إذا انتهت بتلك النهاية، فإنها ستبدأ مرحلة جديدة، في عالم أرحب، وفى رحاب ربّ كريم، عرفوه، وآمنوا به، فلا ينكرهم يوم لقائه، ولا يحجب عنهم فضله ورحمته، بل يلقاهم برحمة منه ورضوان، وجنات لهم فيها نعيم مقيم.
إن هذا الانتقام الذي يأخذهم به فرعون، لم يكن عن جناية جنوها عليه، وإنما كل ذنبهم أنهم رأوا النور فاهتدوا به، وعرفوا الحق فاتبعوه.
إنهم قد اختاروا لأنفسهم الخير، وليس لأحد سلطان عليهم في أن ينزع الإيمان من قلوبهم، وإن كان لسلطانه أن ينزع أرواحهم من أجسادهم، فذلك شيء لا يلتفتون إليه، بعد أن أخذوا خير ما في هذه الدنيا، وهو الإيمان.
فليكن الموت، وليكن التمثيل والتنكيل بهم، إنهم لصابرون على المحنة، موطنون النفس على البلاء، يرجون من اللّه أن يمدهم بأمداد من الصبر والعزم:
{رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ}.
وإفراغ الصبر: صبّه صبّا عليهم، حتى يمتلىء كيانهم به.. فإن المحنة قاسية، والبلاء شديد، وذلك أمر يحتاج إلى كثير من أمداد الصبر من ربّ العالمين.


{وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ (127) قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)}.
التفسير:
وإذ يحذل فرعون في معركة المنطق والعقل، وإذ تفحمه الآيات التي طلع بها عليه موسى، فإنه يلجأ إلى منطق القوة، ويعمد إلى سلاح البغي والعدوان، فيسلطه على خصمه، ويضرب به في غير مبالاة.
وانظر كيف يعمى البغي أهله عن مواقع الحق، وكيف يزيّن لهم الضلال فيرونه هدى.
{قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ}.
موسى إذن هو الذي يفسد في الأرض؟ وهو الذي ما جاء إلا ليخلّص أناسا استذلّهم فرعون، وسامهم سوء العذاب؟ إنه ما جاء ليشارك فرعون في ملكه، ولا لينازعه سلطانه.. وإنما جاء ليستنقذ أناسا من العبودية، ويرفع عنهم يد التسلط والبغي.. فكيف تصح تلك الدعوى التي يدعونها عليه؟
وفي قول الملأ من قوم فرعون: {وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} تحريض قوى لفرعون على أن يضرب ضربته، وأن يعجّل بها قبل أن يتابع الناس موسى، ويدخلوا في دعوته، ويؤمنوا باللّه كما آمن السحرة، فلا يبقى إلا فرعون وتلك المعبودات التي يعبدها..!
وينظر فرعون في هذا القول، وترتسم له الصورة التي يطل بها عليه، لو أنّه ترك موسى وشأنه.. إن فرعون إذا صبر على تلك الحال، فسوف يتخلّى عنه كل شىء، حتى هذا الملأ الذين حوله من أعوان ووزراء.. إنه وحده الذي سيظل على دينه.. هذا إذا لم ترغمه الظروف وتقهره على أن ينقاد لموسى ويصبح من أتباعه!! وتغيم الدنيا في وجه فرعون، ويستبدّ به جنون الكبر والسلطان، فيصدر حكمه على موسى وقومه جميعا: {قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ}.
إنه استئصال لهؤلاء القوم، وقتل بطيء لهم بقتل أولادهم، وإذلال شديد لهم، باستباحة نسائهم، وبهذا تظل يد فرعون عليهم قاهرة متسلطة.. وفي هذا نذير لمن تسوّل له نفسه أن يتابع موسى أو يتصل به.
واستحياء المرأة، هو تعرّضها لما يخدش حياءها أو يجرحه.. وذلك باستدعاء حيائها، حين تواجه بما تنكره الحرّة وتأباه العفيفة.
ويقع البلاء بقوم موسى وتنزل الضربات عليهم من كل وجه، في أنفسهم، وفي أبنائهم، وفي نسائهم.. ونذكر هنا قول اللّه سبحانه في الآيات السابقة: {ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَظَلَمُوا بِها} أي فظلموا ومعهم هذه الآيات التي جاءهم بها موسى، فكانت تلك الآيات في أيديهم أداة من أدوات الظلم والبغي.
ويدعو موسى قومه إلى الصبر والاحتمال في مواجهة هذه المحنة:
{قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} وتكون العاقبة دائما للمتقين.
ويجزع القوم- قوم موسى- ولا يصبرون على هذا البلاء الذي أخذهم فرعون به ويلقون موسى لائمين ساخطين {قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا}.
ويجيبهم موسى متلطفا مترفقا:
{عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}.
أي اصبروا، فلعل اللّه يرفع عنكم هذا البلاء، ويهلك عدوكم، ويجعلكم أصحاب جاه وسلطان، ليبلوكم فيما آتاكم، فينظر كيف تعملون وأنتم في لباس الجاه والسلطان.. هل ترعون حق اللّه، وتؤدّون بعض ما لفضله عليكم من حق؟ أم تكفرون باللّه، وتفسدون في الأرض كما يفسد كثير من أصحاب الجاه والسلطان؟ ذلك ما تكشف عنه الأيام منكم.. وإنها لتكشف عن أسوأ عباد اللّه، وأكثرهم بغيا وفسادا، إذا لبستهم نعمة، ووقع ليدهم سلطان!

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11